العالمتركيا

مابين الأسطورة والحقيقة من هو جحا…؟

شغلت شخصية “جحا” مكانةً مهمة في الأدب العربي، خاصة في باب الفكاهة والذكاء. وفي هذا الموضوع سنتحدث عن كون هذه الشخصية المحبوبة من الكبار والصغار أسطورة أم حقيقة.

وللإجابة على هذا السؤال ﻻ بد من العودة إلى الأصول التاريخية والتراثية لهذه الشخصية، فكل الشعوب واﻷمم صمّمت لنفسها جحا خاصًا بها.

ومع اختلاف اﻷسماء والحكايات، إلا أنّ شخصية جحا الذكي البارع الذي يتصنّع الحماقة، وحماره لم تتغير. (فنجد مُلّا نصر الدين في إيران وتركمانستان مثلًا، وغابروفو المحبوب في بلغاريا، وآرو المغفل في يوغسلافيا وآرتين صاحب اللسان السليط في أرمينيا.)

ومن أقدم شخصيات جحا العربي، أبو الغصن دجين الفزاري الذي عاصر الدولة اﻷموية، وذُكِرَ أنه تابعي، وكانت أمه خادمة ﻷنس بن مالك، وكان سمحًا ذا فطنة وذكاء.

كما اشتهر أبو نواس البغدادي باسم جحا في بلاد ما بين النهرين، وعاش ببغداد في عهد هارون الرشيد، وعرف بفكاهته وسعة حيلته.

أمّا جحا التركي “نصر الدين خوجة” (Nasrettin hoca) الرومي فهو رجل تركي، ولد في قرية خورتو عام 1208 بالقرب من غربي مدينة أنقرة، وتوفي عام 1284 ودفن في مقبرة آق شهير، ولا تزال هناك مقبرة باسمه إلى اﻵن.

عاش “نصر الدّين” في ظل الدولة السلجوقية، ومن ثم بداية عهد الدولة العثمانية. ويعني لفظ “خوجة” (Hoca) بالتركية المعلم، ويدل على الاحترام والتقدير لمن ينادى به.

كان نصر الدين رجلا صالحا عفيفا زاهدا، يحرث اﻷرض ويحتطب لنفسه بيديه، كما كان مرشدا ذا قوة وجراءة، لا يهاب في الحق لومة لائم، ويتحدث دون خوف في وجود الأمراء والحكام.

تلقى نصر الدين تعليما دينيا وكان والده إماما لجامع القرية، وبعد وفاة والده حل محله وأصبح مرشدا وواعظا يأتي بالمواعظ في قالب النوادر. كما تولى القضاء لبعض النواحي القريبة لمدينته وكان يحب السياحة فانتقل إلى قونية وأنقرة وبورصة وغيرها.

يؤكد الرحالة أوليا جلبي أن ملا نصر الدين خوجة ،عاش في أيام السلطان العثماني بايزيد اﻷول، وعاصر الغازي التتري تيمورلنك،ثم التقى به وأصبح من جلسائه. ويقال إنه كان السبب في إنقاذ قريته من بطش تيمورلنك.

ومن نوادره مع تيمورلنك أنه اشترى إوزة مقلية هدية له، غير أنّه جاع في الطريق فأكل فخذًا منها، ولما وصل إليه وعلم تيمورلنك بمكانته من الدعابة قال له: “أين فخذها؟”، فقال: “جميع الوز أيها الملك برجل واحد وإن لم تصدق فانظر الى أسرابه” وكان قرب مجلسه عدد منها ومن عادة الوز أنه إذا استراح وقف على رجل واحدة وقبض الأخرى.

فلما رأى تيمورلنك ذلك أمر بضرب الطبول، فلما ضربت هاج الوز ومشى على رجليه، فقال الملك لجحا: “ألا ترى؟”، فأجابه مداعبا: “إنك لو هددت بمثل هذا لمشيت بأربعة أرجل”، فضحك تيمورلنك من دعابته.

ويقول عن سبب ركوبه حماره بالمقلوب، إنه كان يدير وجهه نحو تلاميذه الذين كانوا يسيرون خلفه ليعطيهم الدروس في أثناء سفره وتنقله على ظهر الحمار.

ونظرا ﻷهمية شخصية نصر الدين خوجة في الموروث الثقافي الشعبي التركي، ومع التطورات التكنولوجية الهائلة لم يتخلى اﻷتراك عن قصصه وطرائفه بل قاموا بتوظيف شخصيته وحكاياته ونوادره في تعليم الصغار وتهذيب سلوكياتهم، بقصصه التي تبهجهم وتعظهم في آن واحد، بطريقة سهلة وبسيطة.

كما تم إنتاج أفلام كرتونية تحكي قصصه ونوادره، إلى جانب مسرحيات موسيقية وغنائية مستوحاة منه، وتطبع عنه كتب ملونة يقرؤها اﻷطفال خلال المراحل التعليمية اﻷولى.

واعتزازًا بشخصيته توجد العديد من التماثيل لنصر الدين خوجة في عدة مدن تركية، وباﻷخص مدية آق شهير التي عمل قاضيا فيها إلى أن توفي ودفن فيها، وأنشئ له أيضا في المدينة متحف خاص، وتقام له فيها مهرجانات احتفالية في كل عام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى