(تقرير-6 ) ملف الجزر اليونانية القريبة من تركيا في بحر إيجة..خلافات جيوسياسية و تبعات إقتصادية.
تعتبر الجزر المتواجدة في بحر إيجه أبرز الملفـات حساسية في العـلاقة بين تـركيا والـيونان وسط نـزاع سـيطرة عـلى المـجال البحري والـجوي في بحر إيجة .
وعلى الدوام تحصل مناوشات ومضايقات من قبل القوات الجوية والبحرية للجانبين تطورت في بعض الأحيان إلى اشتباك عسكري، وسط تحذيرات دولية من إمكانية أن تؤدي إحدى هذه المناوشات إلى اشتباك عسكري أوسع بين البلدين .
أردوغان و معاهدة لوزان
في 29 سبتمبر 2016، ألقى أردوغان خطابًا في القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة أمام مختاري (عمُد) المدن التركية، هاجم خلاله معاهدة لوزان التي وقعتها تركيا عام 1923، مركزا كلامه على جزر بحر إيجة التي خسرها الأتراك بموجب بنود تلك المعاهدة لصالح الجارة اليونان.
قال أردوغان في خطابه: «لقد حاولوا بيع لوزان لنا كانتصار.. في لوزان، تخلينا عن جزر بحر إيجة القريبة منا للغاية، لدرجة أنه يمكنك سماع صوتك عبرها جميعا إذا صرخت. هل ذلك يعد نصرا؟! تلك الجزر كانت ملكنا، مساجدنا هناك، وأضرحتنا هناك».
أضاف: «أولئك الذين جلسوا على طاولة المفاوضات في لوزان، لم يستطيعوا التوصل إلى أفضل اتفاق، واليوم نحن نعاني من عواقب ذلك»، مختتما بتأكيده على أن «لوزان»: «ليست نصًا مقدسًا. نحن سوف نناقشها، ونسعى للحصول على اتفاق أفضل».
جغرافيا جزر بحر إيجة
يعد بحر إيجة بحر شبه مغلق، مساحته 196 ألف كيلومتر مربع، ويحوي ما يقرب من 1000 جزيرة، تنقسم إلى خمس مجموعات رئيسة: سبوراديس الشمالية، سيكلاديس، جزر المضايق، صاروخان، وجزر منتشي، والمعروفة أيضا باسم جزر الدوديكانيز.
والخلاف الرئيس حول تركيا واليونان يكمن في سيطرة الأخيرة على المجموعات الثلاث الأخيرة: المضايق وصاروخان ومنتشي، والمعروفة جميعا باسم جزر شرق إيجة.
منحت أثينا بفضل تلك السيطرة القدرة على خنق تركيا وحصارها بحريا. كما أنها منحتها مزية اقتصادية على أنقرة، بما أن تلك المجموعة هي نقطة الاتصال المباشرة بين بحر إيجة والبحار المفتوحة، ما يجعل لصاحبها تأثيرها كبيرًا على الوضع الإجمالي للملاحة الحرة، والطيران، والأمن بشكل عام في المنطقة.
جزيرة قبرص
وتعتبر مشكلة هذه الجزر جزءا من الخلاف الأكبر المرتبط بجزيرة قبرص المقسمة بين تركيا واليونان منذ محاولة اليونان فرض سيطرتها الكاملة على الجزيرة وتدخل الجيش التركي عام 1974 لحماية القبارصة الأتراك ما نتج عنه تقسيم الجزيرة، ورغم المحاولات الدولية، فشل الجانبان حتى اليوم في التوصل إلى اتفاق للكونفدراية أو الانفصال وتقسيم الأرض والثروات ـ
وبينما تبعد الجزيرة عن اليابس التركي جنوباً أقل من 80 كيلومتر، تبعد عن اليابس اليوناني قرابة 800 كيلومتر وهو ما يعتبره الأتراك مخالفاً للجغرافيا وفيه «ظلم تاريخي» واقع عليهم .
تاريخ الصراع
يعود الصراع التركي اليوناني حول جزر بحر إيجة إلى عام 1829 حين نجحت اليونان في الظفر باستقلالها عن الدولة العثمانية. كانت وقتها جزر إيجة الغربية سبورادس الشمالية، سيكلاديس، جزيرة كريت ملكًا لليونان. أما جزر إيجة الشرقية، جزر المضائق، وصاروخان، ومنتشي، فقد ظلت تحت السيطرة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.
ولما اشتعلت حرب طرابلس في ليبيا بين العثمانيين وإيطاليا عامي 1911 و1912، غزت القوات الإيطالية جزر منتشي، ثم وقع الطليان معاهدة أوشي مع إسطنبول، التي بموجبها عادت الجزر إلى الأتراك، عدا جزر دوديكانيز التي ظلت تحت السيطرة الإيطالية حتى توقيع معاهدة لوزان عام 1923.
وفي حروب البلقان 1912 – 1913، غزت اليونان جزر المضايق وصاروخان ما عدا جزر كويون، أنتيب سارا، خورشيد، فوروني. وفي معاهدة لندن التي وقعها الأتراك مع صربيا وبلغاريا واليونان في 30 مايو عام 1913، تخلت إسطنبول عن جزيرة كريت لصالح اليونان، بموجب المادة 4. وفي المادة 5 اعترفت الدولة العثمانية بسيادة إمبراطورية النمسا والمجر، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا على الجزر التي احتلتها اليونان أثناء الحرب.
الدول العظمى المشاركة في معاهدة لندن، عادت واجتمعت مرة أخرى في فبراير 1914 لمناقشة مصير الجزر، وانتهى اللقاء بإبقاء جزر جوكتش يادا وبوزكادا وكاستيلو ريتزو تحت سيادة العثمانيين، بينما بقيت باقي الجزر كلها تحت سيطرة اليونان.
وفي عام 1923، وقعت معاهدة لوزان التي رسمت الحدود النهائية للجمهورية التركية الحديثة، ومنحتها ثلاث جزر فقط، هي طفشان وجوكتش يادا وبوزكادا، بينما ثبتت المعاهدة ملكية إيطاليا لجزر منتشي، ومنحت اليونان كل ما تبقى من جزر بحر إيجة.
وخلال الحرب العالمية الثانية وقعت كل الجزر تحت سيطرة ألمانيا النازية عام 1941، ثم عاد الحلفاء وطردوا الألمان منها. وفي عام 1947، وقعت معاهدة السلام في باريس، وأعادت كل الجزر التي كانت لليونان قبل الحرب إليها، ومنحتها أيضًا جزر منتشي فوقها، بينما لم يبق مع الأتراك سوى الجزر الثلاث الواقعة في مضيق الدردنيل، بموجب اتفاقية لوزان.
مناوشات كادت تصل لحرب شاملة
كانت أبرز النزاعات بين الطرفين في ذلك الإطار ما حدث في يناير من عام 1996، عندما كاد خلاف نشب على ملكية صخرة كارداك (وهي وحدة أصغر حجما من الجزيرة) أن يتحول إلى حرب شاملة بين الدولتين، ونجحت الولايات المتحدة في تهدئة الوضع المشتعل بين عضوين من حلفائها في حلف الناتو.
الوساطة الأمريكية لم تتوقف، ونجحت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها في استغلال اجتماعات الناتو في مدريد، وأشرفت على محادثات بين وزير الخارجية اليوناني ونظيره التركي في 8 يوليو 1997، للتفاوض حول الجزر بدلا من الحرب.
نفط وغاز طبيعي
أدى ظهور الأبحاث التي صنفت الجزر الإيجية باعتبارها مكانا واعدا للعثور على حقول للنفط والغاز الطبيعي بالإضافة للنقص الذي تعانيه تركيا على مستوى مصادر الطاقة، إلي إعادة فتح ملف ملكية الجزر عبر الإشارة المتكررة إلى معاهدة لوزان
أعقب ذلك عمليات تنقيب تركية في الجزر الإيجية وشرق المتوسط ، ففي 30 أكتوبر 2018، نشرت «رويترز» تصريحات وزير الطاقة التركي فاتح دونماز حول حول بدء سفينة «الفاتح» التنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في مناطق شرق البحر المتوسط.
وفي يناير من العام 2019، أعلنت تركيا أن سفينة الأبحاث «خير الدين بربروسا» تجري مسوحات زلزالية داخل جزء كبير من الجرف القاري التابع للمنطقة الاقتصادية لقبرص التركية.
ثم تم مد أعمال المسح التي تقوم بها السفينة «بربروسا» إلى جزيرتي رودس، وكاستيلو ريتزو في تطور هو الأول من نوعه.
واليوم، ومع انتهاء الربع الثاني من العام 2020، يبدو تصميم تركيا أكبر على الاستمرار في التنقيب عن الغاز في الجزر الإيجية ، بل إنه حتى وقع مع حكومة «الوفاق الوطني» في طرابلس برئاسة فايز السراج اتفاقًا لتعيين الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، وهو ما يعني إضافة الرئيس التركي بقعة بحرية جديدة لأعمال التنقيب في البحر المتوسط .
المصدر : وكالات أنباء
إعداد : “عين تركيا”