مسجد وكنيسة ومركز ثقافي.. ميدان “تقسيم” قلب إسطنبول النابض
لا تهدأ الحركة في ميدان تقسيم وشارع الاستقلال المتفرع منه، ما بين سائح ومتسوق ومشارك في فعالية ثقافية، أو ساع لشراء كتاب
هنا ميدان “تقسيم”.. أشهر مقصد سياحي في مدينة إسطنبول التركية.
استحق أن يكون قلب المدينة النابض بالحياة ومن خلال مزجه بين الأصالة والتاريخ، والثقافة والمعاصرة.
كما استحق هذا من خلال تجسيده لتلاقي الأديان وتعدد الثقافات، وشهادته على سماحة وتقبل الشعب التركي لمختلف الثقافات.
اسم “تقسيم”
مع افتتاح مسجد تقسيم وسط إسطنبول قبل أيام، واقتراب افتتاح مركز “أتاتورك الثقافي”، وتجاور البناءين مع كنيسة “آيا تريادة”، باتت منطقة تقسيم تجسد تعانق الأديان وتلاقي الثقافات.
كما يعتبر الميدان إضافة لما سبق من مميزات دينية وروحية وثقافية، مع الحركة السياحية والتجارية الكبيرة فيه، أحد أهم الوجهات المتميزة في مدينة إسطنبول وتركيا، ولا بد أن يقصدها زائرو المدينة من داخل تركيا وخارجها.
وتحظى منطقة تقسيم بأهمية ومكانة كبيرة، فقد كانت قديما منطقة لتوزيع (تقسيم) المياه على أحياء ومناطق المدينة، ومن هنا جاء الاسم.
كما كانت تقع بالقرب منها ثكنة عسكرية عثمانية.
حاليا، بات ميدان تقسيم، قلب إسطنبول النابض، مكانا هاما يقصده الزائرون والسائحون.
كما يجدون فيه التاريخ القديم ممتزجا بالثقافة المعاصرة، إضافة لتلبية حاجتهم من التسوق.
مسجد تقسيم
افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مسجد تقسيم في 28 مايو/أيار 2021.
وشدد على أن مسجد تقسيم سيكون من أهم المراكز الثقافية والفنية في إسطنبول عبر المرافق التي يضمها إلى جانب أماكن العبادة.
كما يضم المسجد مكتبة رقمية وأماكن للمطالعة والاستراحة وإقامة المعارض.
ويقع على مساحة قدرها 2.5 دونم، فيما يصل ارتفاع قبته إلى 33 مترا، وطول مئذنته 65 مترا.
كما يتسع لـ4 آلاف مصل في أقسامه المفتوحة والمغلقة.
وتبلغ مساحة الجامع الإجمالية 875 مترا مربعا، بارتفاع يصل إلى 3 طوابق، إضافة إلى موقف سيارات يتسع إلى 165 مركبة.
كما يرتفع المبنى أكثر من 20 مترا، وترتفع القبة قرابة 10 أمتار، فيما يبلغ ارتفاع المآذن أكثر من 30 مترا.
ويعتبر مسجد تقسيم، بحسب الرئيس التركي، “هدية لإسطنبول بعد نضال استمر نحو قرن ونصف القرن، وفكرة بناء مسجد يطل على ساحة تقسيم تعود إلى أيام الحرب العثمانية الروسية بين عامي 1877 و1878”.
كما أشار إلى أن “الفكرة طرحت مجددا في فترة حرب الاستقلال قبل نحو قرن ليكون رمزا لعزيمة الأمة في سبيل الاستقلال، وحالت العراقيل دون بناء مسجد في الموقع في الماضي”.
تجاور المسجد والكنيسة
يقابل المسجد على الطرف الآخر من مدخل شارع الاستقلال، كنيسة الروم الأرثوذكس المعروفة بـ”آيا تريادة”.
وهي كنيسة بنيت في القرن التاسع عشر، وفق الطراز المعماري البيزنطي، وذلك في أيام حكم الدولة العثمانية.
كما افتتحت الكنيسة في العام 1880، وبنيت على مدخل شارع الاستقلال في إسطنبول، في الفترة التي بنيت فيها المنطقة.
وتعتبر المنطقة من أقدم الأحياء التي بنيت في القرن التاسع عشر في المدينة.
كما بنيت الكنيسة على أنقاض مقبرة تابعة للروم الأرثوذكس.
وكانت تقع آنذاك خارج المدينة، ومع تطور المنطقة تحولت تقسيم إلى منطقة مركزية ومركز جذب كبير للتجارة والسياحة والثقافة.
وبذلك يطل كل من الجامع والكنيسة كمكانين للعبادة تهم المسلمين والمسيحيين سواء، في مشهد هام، وخاصة في منطقة تحمل رمزية، وهي منطقة مركزية في ميدان تقسيم، في دلالة على روح التآخي في هذه البلاد.
مركز “أتاتورك الثقافي”
يقع مقابل مسجد تقسيم “مركز أتاتورك الثقافي” الذي وُضع حجر أساسه في 10 فبراير/ شباط 2019 في إسطنبول، حيث يوشك على الاكتمال، بعد إنجاز قرابة 85% من أعمال إنشائه.
وتتواصل أعمال البناء في المركز الذي يطل على “ميدان تقسيم”.
كما انتهت أعمال الكسوة الحجرية الطبيعية للواجهة الأمامية والديكورات الداخلية للمركز المكون من 5 أجزاء، وينتظر تدشين المركز خلال الشهر الجاري أو الشهر القادم.
ويشمل المركز على قاعة أوبرا تبلغ مساحتها 48 ألفا و705 أمتار مربعة، مكونة من 4 أقبية وطابق أرضي إضافة إلى 9 طوابق، لألفين و40 شخصا.
كما يضم المركز مسرحا تبلغ مساحته 16 ألفا و228 مترا مربعا، ويتكون من 4 أقبية وطابق أرضي إضافة إلى 5 طوابق، ويتسع لـ805 أشخاص.
ويحتوي المركز بين جنباته على “زقاق الثقافة” الذي سيحتضن صالة عرض فنية ومطعما ومقهى ومركزا فنيا للأطفال ومنصة موسيقية ومكتبة وقاعة متعددة الأغراض، إلى جانب مرافق أخرى.
صخب لا يهدأ
بالنظر إلى تلك المكانة الكبيرة، لا تهدأ الحركة في ميدان تقسيم وشارع الاستقلال المتفرع منه، ما بين سائح ومتسوق ومشارك في فعالية ثقافية، أو ساع لشراء كتاب.
ويتضمن الميدان سوقا يشهد فعاليات ومعارض فنية وأنشطة للأطفال ومعارض كتب وأخرى للأعمال اليدوية.
كما يندر أن يكون السوق خاليا من أي فعاليات، باستثناء الإغلاق بسبب جائحة كورونا، ما يزيد من حيوية المكان.
ويضم الميدان نصبا تذكاريا للجمهورية التركية وعيد التحرير والنصر، وهو من تصميم الفنان الإيطالي بيترو كانونيكا، وعادة ما يتجمع الناس لالتقاط الصور أمامه.
كما يوجد في المنطقة عدد كبير من الفنادق والمحال التجارية والمكتبات، فضلا عن مقاه ومطاعم متنوعة الأذواق والمذاقات، ومع تزايد أفراد الجالية العربية في إسطنبول، بات للمطاعم العربية تواجد هناك أيضا.
شارع الاستقلال
شارع الاستقلال، يمتد من ميدان تقسيم وصولا لمنطقة قره كوي، وهو شارع قديم يمر فيه ترام يعود لنحو مئة عام.
وذلك الترام من أقدم الترامات في المدينة، فيما تتواجد أزقة ضيقة قديمة على أطراف الشارع ونهايته تعود بالزائر لعبق التاريخ.
كما أن أغلب البيوت والمباني الموجودة بالشارع يعود لأكثر من مئة عام، ومن أبرزها الكنيسة المقببة وجامع حسين آغا المقابل لها.
كذلك، يتضمن الشارع مراكز دبلوماسية وقنصليات لعدة دول كهولندا وروسيا وفرنسا، فضلا عن مراكز خدمية، وفنادق تستضيف أهم المؤتمرات الدولية.
وجرت العادة أن يتخذ العازفون مكانا لهم في هذا الشارع، وأحيانا تعزف فرق موسيقية ألحانها هناك مقدمة فقرات ممتعة وجميلة للزائرين.
ومن أهم ما يميز المنطقة أنها تطل على مضيق البوسفور، ما أكسبها إطلالة مميزة يمكن من خلالها رؤية الجانب الآسيوي من إسطنبول.
المصدر: وكالة الأناضول