فأنا السلطان محمد، أقول لكم ولجميع إخوانكم ولكل الموجودين هنا، إنكم منذ اليوم في أمان في حياتكم وحرياتكم.
لم تشفع للبيزنطين صلواتهم الضارعة التي أقاموها في الكنيسة ملتمسين من العذراء حمايتهم كما فعلت من قبل، فوفقًا لاعتقادهم أن بركة السيدة مريم وحدها هي التي أنقذت المدينة من حصار السلطان مراد الثاني لها عام 1422م.
ولم يُنقذ أهل المدينة الملاك الحارس الذي وعدهم القساوسة بظهوره ما أن يُحيط الأتراك بـ«آيا صوفيا».
هذه المرة كان النصر المُبين حليف الأتراك، وعلت الرايات الحمراء منازل القسطنطينية، ولجأ إلى «آيا صوفيا» الشيوخ والنساء والرجال الهاربين من القتال يرتعدون حول المذبح بِانتظار قرار حاكم المدينة الجديد فيهم.
دخل السلطان المدينة عند الظهر فوجد الجند مشتغلة بالسلب والنهب، فأصدر أوامره بمنع كل اعتداء, فساد الأمن حالًا، ثم زار كنيسة آيا صوفيا وأمر بأن يؤذن فيها بالصلاة إيذانًا بجعلها مسجدًا جامعًا للمسلمين.
وتضيف «الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي» أن محمد الفاتح سار على ظهر جواده إلى كنيسة «آيا صوفيا» حيث تجمع الشعب البيزنطي ورهبانه ما إن علموا بوصول السلطان الفاتح.
وأمام البناء نزل من على ظهر حصانه وصلى ركعتين شكرًا لله على توفيقه له، بالفتح، ثم سار يقصد شعب بيزنطة ورهبانه، وقال لهم:فأنا السلطان محمد، أقول لكم ولجميع إخوانكم ولكل الموجودين هنا، إنكم منذ اليوم في أمان في حياتكم وحرياتكم.
دخل الفاتح المدينة يوم ثلاثاء، وأمر بأن تجرى أعمال سريعة لتحويل «الكنيسة العُظمى» إلى مسجدٍ عظيم يُصلِّي فيه الجمعة المُقبلة، ولمَّا كان هذا الإجراء مستحيلًا في ظِل النقوش المسيحية التي ملأت الجدران فقد جرت عمليات حميمية لتغطيتها بالجبس ورسم زخارف هندسية ونقوش إسلامية فوقها، وفيما بعد سقطت طبقات الجبس وعادت المشاهد المسيحية للظهور مُجددًا.
كان هذا الإجراء السريع كافيًا ليُصلِّي محمد الثاني فيما أطلق عليه «آيا صوفيا جامعي»، وبعد ذلك جرت زيادات هندسية أضافت المآذن والمحاريب إلى البناء، كما ارتفعوا فيه بمنارتين حتى أكسبه سمتًا إسلاميًّا، دون أن ينسى القائمون على الأمر بالطبع كتابة لوحة كبير بحديث النصر: «لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الجيش جيشها، ونعم الأمير أميرها».
كتب محمد الفاتح وثيقة ضخمة تأمر بتحويل الكنيسة إلى جامع، بلغ طول الوثيقة 71 مترًا، واحتوت الوثيقة على أدق التفاصيل فيما يتعلق بالمسجد والمدرسة والدكاكين والمرافق التي أوقفها للإنفاق على المسجد.
وفي ختام هذه الوقفية كتب الفاتح:
فمن غيَّر شيئًا من شرائطه أو بدَّل قانونًا في ضوابطه ويسعى إلى إبطاله وتبديله، وقصد في نسخه وتحويله بتأويل فاسد وأباطيل مزخرفة … فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
ولمَّا كانت «آيا صوفيا» كغيرها من كنائس البيزنطيين نحو بيت المقدس، كان على المسلمين أن يُغيِّروا في قِبلتهم قليلاً ناحية الجنوب ليضمنوا أنهم يوجهوون وجوههم شطر مكة خلال الصلاة.
في عهد محمد الفاتح أقيمت أول مئذنة بـ«آيا صوفيا جامعي»
وبعدها استمرَّت «آيا صوفيا» إسلامية الهوية حتى أصدر أتاتورك قراره بـ”تحويلها لمتحف” ومن ثم تمَّت إزالة الجبس من على الرسومات المسيحية، فظهرت بعض الأشكال الأيقونية للسيدة مريم العذراء والسيد المسيح، بالإضافة إلى الإمبراطور قسطنطين (ومعه نموذج للبلدة التي أنشأها) والإمبراطور يوستنيانوس (ومعه نموذج لكنيسة آياصوفيا).