أوروبا

الإقامة القانونية في فرنسا.. قلق دائم وتهديد بالترحيل

الهجرة موجودة منذ قديم الأزل، فالسفر والترحال له من الفوائد والميزات ما ليس لغيره.

تتعدد أسباب السفر، فهناك من يقرر الإقامة في دولة أخرى بهدف الاستثمار ومتابعة أعماله في بيئة أخرى، وهناك من يسعى لتحسين أوضاعه المالية أو الاجتماعية، وهناك من كان هاربا من دولته لأسباب إنسانية أو سياسية.

لكن في كل الأحوال، من قرر الرحيل من بلده والإقامة في بلد آخر، عليه الالتزام بقوانين ولوائح هذه الدولة.

أي دولة في العالم تضع عددا من القواعد، تسمح بموجبها للأجانب بالمكوث على أراضيها بشكل قانوني.

فرنسا كبلد المهجر

تعد فرنسا إحدى دول المهجر الشهيرة، وهناك جنسيات كثيرة تسعى للسفر إليها، والإقامة على أراضيها.

بطبيعة الحال، يجب الحصول على مصوغ قانوني، يستطيع الأجنبي من خلاله الإقامة، دون أي ملاحقات أمنية أو قضائية.

وكأي بلد، هناك إجراءات يجب أداؤها حتى يحصل الأجنبي على الإقامة، لعل أولها هو تقديم الطلب.

التسجيل الإلكتروني لطلب الإقامة

قبل عام 2016 كان طلب الإقامة يتم تقديمه يدويا، ولكن هذا كان يتسبب في حدوث ازدحام وطوابير طويلة.

وصل الأمر إلى أن البعض كان يقضي ليله أمام مبنى مديرية الأمن، على أمل أن يكون من بين الأشخاص الذين سيتم استقبالهم.

لإنهاء هذا الوضع قررت 80% من مديريات الأمن الفرنسية أن يتم حجز المواعيد لتقديم طلب الحصول على الإقامة عبر موقع إلكتروني.

في هذا الإطار يقول “جان بونوا آلبرتيني”، مدير الأمن في مقاطعة “إيسّون”:
“إنه تطوير لطريقة حجز المواعيد، وهو تسهيل للإجراءات، فمن الأيسر حجز موعد من البيت، بدلا من الانتظار والوقوف خارج مديرية الأمن على أمل الحصول على موعد من خلال البطاقات التي كنا نوزعها، وأحيانا يكون ذلك في البرد أو تحت المطر”.

رغما عنه.. الأجنبي يتحول إلى مهاجر غير شرعي

غير أن حجز موعد، وتقديم الطلب عبر الانترنت، كان له مشاكل لم تخطر على البال.

الآن، أصبح الحصول على هذا الموعد، حلما، فالموقع الإلكتروني لا يمنحه بسهولة.

قد ينتظر الأجنبي لمدة تتجاوز العام، فقط، للحصول على موعد، وليس للحصول على إذن الإقامة.

هنا يتحول الأجنبي، رغما عنه، إلى مهاجر غير شرعي، يمكن أن يتم ترحيله من فرنسا في أي وقت.

محاولات مضنية للحصول على الموعد

الشابة الإيفورية “ماسانجي” ستصل سن الرشد القانونية قريبا، وهي مجبرة على تقديم طلب إقامة قبل يوم ميلادها.

تؤكد “ماسانجي” أنها تحاول حجز موعد على الموقع الإلكتروني منذ أشهر بلا جدوى.

“ماسانجي” تؤكد أنها تستيقظ في منتصف الليل أو قبل الفجر للحصول على الموعد، ودائما تفشل.

تضيف الشابة الإيفورية: “تظهر رسالة دائما تقول إن المواعيد غير متوفرة، الأمر يشبه السجن، أريد أن أكون مثل الآخرين”.

تستطرد ماسانجي قائلة: “أريد أن أحصل على موعد، أريد بطاقة إقامة حتى أستطيع العمل، رئيسي يقول إن لم أحصل على بطاقة إقامة فسيطردني، لا يريد أن يخالف القانون”.

المحامون ينتقدون: كيف نقدم شكوى للحصول على خدمة عامة؟

مؤخرا تظاهر حوالي 100 شخص أمام المحكمة الإدارية، من ضمنهم محامون مع موكليهم، الأجانب الذين لا يملكون بطاقة إقامة أو في انتظار تجديدها.

انتقد المحامون آلية تطبيق هذا النظام، ويقولون إنه ليس من المفترض أصلا أن تكون هناك قضايا بهذا الشكل، فليس من المنطقي أن يتقدم إنسان بشكوى قانونية ليحصل على خدمة عامة.

يقول المحامي “باتيست دو مونفال”: “نقدم حوالي 50 شكوى في الوقت نفسه في عدة محاكم في منطقة واحدة، بهدف إجبار مديريات الأمن على منح مواعيد للأشخاص الذي يعجزون عن الحصول عليها”.

يضيف “دو مونفال”: “اللجوء إلى الانترنت كان يهدف لإنهاء صف الانتظار الطويل أمام مديريات الأمن، ولكن اليوم تحول صف الانتظار أمام الحاسوب، وأصبح مستمرا ليلا ونهارا”.

مأساة “إدريس السنغالي”: سيتم ترحيلي ويبعدونني عن بناتي

في أحد مراكز ضواحي باريس، تم احتجاز إدريس، السنغالي، الذي يعيش في فرنسا منذ ثمانية أعوام، مع زوجته وأطفاله الثلاثة.

خلال التفتيش على تذاكر إحدى الحافلات، اكتشف رجال الشرطة أنه لا يملك بطاقة إقامة، ليتم نقله إلى مركز الاحتجاز.

يقول إدريس إنه يحاول الحصول على موعد في مديرية الأمن منذ أكثر من عام بلا جدوى.

يضيف إدريس: “أنا هنا منذ أسبوعين، لم افترق عن بناتي من قبل كل هذه المدة، اضطرت للكذب عليهن، اقول أنني مسافر، لا أريد أن يزورونني”.

إدريس يواصل كلامه دامعا: “ترحيلي ليس حلا، بناتي سيمتن جوعا إذا بقين هنا وحدهن، أنا لم أخضع يوما للاحتجاز في حياتي، عمري 33 عاما، طوال عمري أحرص أن يكون سلوكي مستقيما”.

ولكن.. بالفعل، تم ترحيل أدريس إلى السنغال بعد احتجازه لأكثر من شهر.

ترحيل المهاجرين.. هل هي سياسة متعمدة؟

توسع الحكومة الفرنسية في كل عام طاقة مراكز الاحتجاز، وأصبحت فرنسا تحقق الرقم القياسي في احتجاز الأجانب على المستوى الأوروبي.

“ماريون بوفيس” المستشارة القانونية لدى جمعية “سيماد” المعنية بحقوق المهاجرين، تقول: “نلاحظ تشددا أكبر في الإجراءات ضد من لا يحملون أوراق إقامة”.

تضيف “بوفيس” إنه من المعروف أن تهمة تهديد النظام العام التي يرحلون بها الأشخاص، تتعلق بأشخاص سبق أن أدينوا أو دخلوا السجن من قبل، وهو ما لم يحدث في العديد من الحالات.

“بوفيس” تقول: “إن تشديد الإجراءات نشهده واضحا منذ عامين ونصف تقريبا، ويمكن القول إنه مرتبط بالتحولات السياسية، اليوم أصبحت سياسة واضحة سواء على مستوى الحكومة أو وزارة الداخلية أو مديريات الأمن التي تتلقى التعليمات”.

اتهامات بالعمل على دفع المهاجرين للعودة إلى بلدانهم

الجمعيات المدافعة عن حقوق المهاجرين تتهم السلطات الفرنسية بتبني إجراءات الغرض الوحيد منها هو ثني المهاجرين عن البقاء في فرنسا، ودفعهم للعودة إلى بلدانهم الأصلية.

“ليز فارون” الناشطة في جمعية “سيماد” المساندة لحقوق المهاجرين، تؤكد أن الموقع الإلكتروني مغلق بنسبة 76% كل أسبوع أمام طالبي الخدمة العامة.

الجمعية تشير إلى استحالة العثور على موعد في 95% من الحالات.

الناشطة “فارون” تندد بهذا الخلل المستمر منذ عدة أعوام، وتقول إن استحالة الحصول على موعد ليست بمحض الصدفة.

توضح “فارون” وجهة نظرها قائلة: “إنه أمر غريب جدا، أن ننتظر 6 أشهر أو سنة أو حتى سنتين، فقط، للحصول على موعد للتقدم لطلب بطاقة إقامة، مع العلم أن تقديم الطلب هو شرط قانوني لمن يريد الحصول على إقامة، إنها سياسة لإحباط عزيمتهم، بحيث ييأس طالبو الإقامة ويعودون إلى بلدانهم”.

السلطات الفرنسية: احصاءات الجمعيات مبالغة، ونحن نكافح التلاعب

منطق الإحباط هذا ترفضه وزارة الداخلية الفرنسية، وتؤكد أن إحصائيات الجمعيات مبالغ فيها.

“جان بونوا آلبرتيني”، مدير الأمن في مقاطعة “إيسّون”، يقول: “رغم أنني أعرف أن هناك مشكلة لدينا وأن علينا إجراء تحسينات على البرنامج المعلوماتي لحجز المواعيد، إلا أننا نعمل لتفادي أن يستعمل بعض الأشخاص برامج لحجز مواعيد على حساب أشخاص آخرين.”

سبب المشكلة.. عدد الموظفين

أحد الموظفين يعلق على طول الانتظار للحصول على موعد، قائلا: “مع تغير الاجراءات لدينا، نحاول الحد من تدفق المرتادين على المديرية، وإلا فلن نستطيع دراسة كل الملفات”.

يضيف الموظف المختص بلقاء الأجانب: “ليس لدينا الكثير من الموظفين، ونحن نقبل أربعين ملفا فقط الأسبوع على أقصى حد، لكي نضمن معالجة جيدة للملف، وألا سينتظر الشخص عاما حتى يتم استدعاؤه، كما كان يحدث سابقا”.

من الجدير بالذكر أن سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة ما بين عامي 2016 و2019 جعلت مديريات الأمن تفقد 1500 موظف.

ظهور ما يسمى بـ “تجارة مواعيد الإقامات”

أمام النقص الحاد في المواعيد، ازدهرت تجارة يراها البعض غير شرعية.

فقد حولت عددا من مقاهي الانترنت نشاطها بالكامل لحجز المواعيد بمقابل.

المسؤول عن أحد المقاهي يقول: “نحصل على 10 يورو مقابل الخدمة، فقط من أجل مواعيد تجديد بطاقة الإقامة”.

عشرة يورو ليست كثيرة، لكن البعض الآخر بات الطمع شعاره، لدرجة أن هناك مواقع إلكترونية تطرح تلك المواعيد بأسعار باهظة، تصل إلى 300 يورو للموعد.

بالنسبة لمديرية الأمن هذه التجارة هي التي تعطل الحصول على المواعيد عبر الانترنت.

البائعون ينفون تواطؤ موظفين معهم، ويقولون إنهم لا يلجأوون إلى القرصنة، بل يبقون أمام الحاسوب إلى أن يعثروا على موعد.

خوف دائم من الترحيل..

في فرنسا 4 ملايين و400 ألف شخص حاصلون على بطاقة إقامة.

أما الذين يعيشون بدون أوراق إقامة فيقدر عددهم بـ 300 ألف شخص، وحتى يتم دراسة طلبهم عليهم أن يجمعوا أكبر عدد من الوثائق التي تثبت معيشتهم المستقرة في فرنسا.

وفي عام 2019 ارتفع عدد المرحلين بنسبة 20% مقارنة بالعام الذي سبقه.

بهذا بات الأجانب الذين يعيشون في فرنسا، ولا موعد لديهم لتجديد الإقامة، في حالة دائمة من الخوف والترقب.

المصدر: باريس – فرانس 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى