أخبار عامة

التسعير النفسي، هل هو باب من أبواب التوفير، أم حيلة تسويقية؟

عند تجولك في ممرات مراكز التسوق لشراء أغراضك المختلفة، لعل ما يلفت نظرك هو تسعير بعض الأصناف بطريقة تنتهي بالرقم 99، مثل 0.99$ أو 1.99$ أو 199$ أو 1999$، وهكذا.

فلماذا نراها في كل شيء من حولنا؟ ولماذا يلجأ التجار إلى هذه الطريقة في وضع الأسعار ولا يستعملون أسعار بدون كسور مثل 1$ أو 2$ أو 200$ أو 2000$؟ وهل هذه الطريقة تؤثر على المستخدم بشكل ما وبالتالي والأرباح التي يجنيها التاجر؟

التسعير النفسي

كثيراً ما نرى الرقم 9 في الأسعار الخاصة بالمنتجات من حولنا سواء في المطاعم ومحلات الوجبات السريعة والمكتبات ومحلات الأجهزة الرقمية وغيرها.

فعلى سبيل المثال نجد عروض شركة Apple الأمريكية المختصة بإنتاج منتجات نظام التشغيل iOS لديها أن عروض أسعار هواتف iPhone 5S يبدأ من 99 دولاراً وهواتف iPhone 6 يبدأ من 199 دولاراً وهواتف iPhone 6S يبدأ من 299 دولاراً.

فلماذا دائماَ تكون الأسعار أقل من مضاعفات العشرة الصحيحة بواحد؟

سر وجود هذه الأرقام هو ما يعرف علمياً بمصطلح “التسعير النفسي” وبالإنجليزية “Psychological pricing” وهو أمر مستخدم في كثير من أماكن البيع كما ذكرنا.

وسبب وجوده أن الدراسات النفسية ذكرت أن له أثر كبير في رفع إيرادات البيع, حيث يؤثر على المستخدم ويجعله يعتقد أن التطبيق أرخص مما هو عليه.

فمثلًا رأى مستخدم تطبيق بسعر 1.99$ فسيتبادر في ذهنه بشكل سريع أن التطبيق 1$ دون أن يفكر بشكل أدق أن التطبيق أقرب إلى أن يكون 2$.

فالمستخدم عادةً ما يرى الرقم الموجود في اليسار ويبتادر في ذهنه أن سعر التطبيق بهذا الشكل. وإذا إردت تجربة تأثير تغيير المصطلح والرقم المستخدم وأنه يؤثر بالفعل.

جرب أن تخبر شخص رقم مائتين وخمسين ألف “250,000” وأيضاً رقم “ربع مليون” ستشعر لا إرادياً أن رقم ربع مليون أكبر من مائتين وخمسين ألف, والسر في ذلك أن العقل سيظن أن لسماع لفظ “مليون” والآخر “ألف” أن الأول أكبر من الثاني.

نفس الأمر هذا هو ما نتحدث عنه فإذا رأيت 1.99$ و 2.00$ عينك ستقارن لا إرادياً بين 1 و 2 ولن تنتبه إلى أنه لا يوجد فارق حقيقي بين الرقمين.

ويُطلق أيضًا على هذه السياسة التسعيرية بسياسة التسعير بالرقم الغريب, حيث يظهر الرقم أقل بكثير مما يبدو عليه في الواقع ويميل المستهلكون إلى شرء السلعة!

متى ظهر هذا النوع من التسعير؟

تشير ويكيبيديا إلى عدم وجود بيانات دقيقة عن تاريخ وأسباب ظهور هذا النوع من التسعير. البعض يعتقد أن أصلها يعود للمنافسة بين الصحف الأمريكية.

فصحيفة شيكاجو ديلي حين تأسست قرر أصحابها تسعيرها بـ 99 سنت، بحيث يحصل القارئ على سنت حين يشتري الصحيفة بدولار واحد مما يعطيه إحساسًا بأنه يحصل على شيء بالمقابل، وحينها كان للسنت قيمة، عكس حالنا اليوم.

التفسير الثاني لاستخدام هذه الطريقة في محلات التجزئة هو للحد من سرقات أمناء الصناديق.

فلو كان سعر القطعة رقمًا صحيحًا فسوف يستطيع أمين الصندوق دس المبلغ في جيبه بدون أي يعرف أحد ووجود الكسر يعني أنه سيحتاج لفتح الصندوق للحصول على الصرف وصوت الجرس سيجعل عليه من الصعب سرقة المال.

هذه التفسيرات تشير إلى أن بداية التسعير لم تكن مبنية على أسس علمية بل تسويقية أو للحد من التصرفات السيئة, وعلى ذلك, فإن التسعير النفسي: “هو استراتيجية لعرض أسعار السلع لتؤثر على رأي المشتري وتحفزه لشراء السلعة”.

الفكرة الشائعة بين الكثير من الناس هو أن أدمغتنا سيئة في تقدير الأمور من الوهلة الأولى, فأنت حين ترى السعر 1.99$ فإن دماغك سيقوم بتقليله إلى 1 ولا نقوم بزيادته إلى 2 لأن ادمغتنا تميل للتقليل وليس الزيادة.

ويطلق على هذه الحالة اسم “تأثير الرقم الأيسر” أن الدماغ يركز دائماً على الرقم في أقصى اليسار حين يرى الكثير من التسعات بجانب الرقم وبدل أن يجبرها للأعلى (لأنها منطقية) يقوم بالتخلص منها.

النظرية السابقة ليست القاعدة الوحيدة فقد خرج العلماء ببعض التفسيرات الأخرى, مثل أننا لانجيد تقدير القيمة الحقيقية للسلعة وهذا الشيء يدفعنا إلى إتخاذ القرار بناءً على السعر المعروض أمامنا.

وجود الكسور في الأرقام مثل (3.53$) يعطيك الإيحاء بأن المحل يبيعك السلعة بأقل سعر موجود في حين أنها خدعة نفسية من أجل ايهامك بذلك.

لأنك ستقول لنفسك أن الشركة وصلت لهذا السعر بعد أن قامت بأكبر قدر من التخفيض، لكنك لو بحثت قليلاً لفوجئت في بعض الأحيان بأن السعر الحقيقي للسلعة أقل من السعر المعروض.

لكن, ماهو سر الرقم 9 في التسعير النفسي؟

وجود الرقم 9 في السعر قد يوهم المشتري بأن السلعة التي يحصل عليها ذات سعر جيد، ففي إحدى التجارب التي أجريت فقد لوحظ إزدياد الطلب على أحد الفساتين بعد قيام الشركة برفع سعره من 34$ إلى $39.

نفس المصدر يتحدث عن تجربة ثانية قاموا فيها بإرسال نسختين من كتالوج أسعار الملابس أحدها يعرض أرقام كاملة بدون أي كسور والثانية تضيف 0.99$ إلى نهاية السعر، ولوحظ أن الذين حصلوا على الكتالوج الثاني كانوا ميّالين للطلب أكثر بنسبة 8%.

حسناً, وهل هذه الإستراتيجية تنطبق على جميع انواع المنتجات؟

للأسف لايصلح التسعير النفسي لجميع أنواع البضائع، فهو يجدي نفعاً في البضائع الرخيصة والمتوسطة السعر.

فقد وجد أن أسعار المنتجات التي نربطها بالرفاهية يفضل أن يتم تسعيرها برقم صحيح بدون أي كسور لأن ذلك يعطي للدماغ إشارة أن هذه البضاعة ليست رخيصة وذات مستوى عالي من الجودة.

فلو عرضت عليك ساعة رولكس أصلية بسعر 35.000$ وسعر 34.999$ لظننت الثانية رخيصة أو ذات جودة سيئة مع أن الفرق هو دولار واحد فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى