هذه عصيدة في أطباق فخارية، وتلك أسماك ولحوم مطبوخة في أدوات حجرية…
مشهد يكتمل بجدران وديكورات تعود إلى آلاف السنين، تأخذك في رحلة إلى الماضي البعيد.
المشهد برمته ليس مقطعا من فيلم وثائقي عن حقبة زمنية مضت، ولكن تفاصيله الدقيقة تجدها في مطعم بمدينة قونية التركية، يقوده طاه تخصص في تقديم الوجبات التي تعود إلى العصر الحجري (9000 – 4500 قبل الميلاد).
على أطباق فخارية وأدوات حجرية يقدم مطعم يعود للطاهي التركي أولاش تكرقايا في منطقة قره طاي بمدينة قونية وسط تركيا وجبات تعود إلى العصر الحجري الحديث.
اختار الطاهي التركي تكرقايا، إعداد أطباق تعود لحضارة مستوطنة “جاتال هويوك” أو التلة المشتعلة.
وقد أظهرت التلة نشاطا مميزا بين الحضارات التي ظهرت بمنطقة الأناضول (آسيا الصغرى) خلال الفترة ما بين 7500 إلى 5700 ق. م.
والمستوطنة تعتبر أولى المدن البدائية التي شهدت ازدهارًا حضاريًا في تلك الحقبة الزمنية، وتم تسجيلها عام 2012 كموقع تراث عالمي.
دراسة وبحث وكتاب
عكف تكركايا منذ 7 سنوات على دراسة البيانات التي جرى الوصول إليها خلال عمليات التنقيب والحفر في “جاتال هويوك”.
وكان هدفه هو إعادة إحياء الأطباق الأكثر شعبية التي ترجع لحضارة تلك المستوطنة.
ووفر مجموعة من فريق التنقيب وأكاديميين من جامعتي “قرمان محمد بك” و”نجم الدين أربكان” لتكرقايا معلومات ودراسات هي حصيلة نحو ربع قرن من جهود التنقيبات الأثرية.
تمكن تكرقايا من جمع نتائج دراساته التي أعدها في ضوء البيانات التي حصل عليها من قرابة مائة مصدر في كتاب حمل عنوان “9000 عام من ثقافة الطهي في العصر الحجري الحديث”.
واستطاع عبر هذا الكتاب نقل ثقافة الطهي التي سادت في المنطقة قبل 9 آلاف عام إلى يومنا هذا.
قائمة الطعام
بعد مجموعة من الأبحاث والدراسات استطاع تكرقايا إعداد قائمة من الأطباق التي ترجع لحضارة “جاتال هويوك”.
وقد اعتمدت بشكل رئيس على الحبوب، إضافة إلى الأسماك والحيوانات الأليفة وحيوانات الصيد.
عرض تكرقايا تلك الأطباق في مطعمه، موفرا لزواره فرصة تذوق أطباق من الماضي البعيد.
من هذه الأطباق عصيدة الحبوب المطحونة بواسطة المطاحن الحجرية، والأسماك واللحوم المطبوخة على الحجر.
وهذا يتيح للزوار فرصة الاستكشاف والاستمتاع بطعم أطباق تعود لنحو 9 آلاف عام.
إعادة إحياء الأطباق القديمة
يعمل تكرقايا في قطاع المطاعم منذ 10 سنوات.
لكنه بدأ قبل سبع سنوات بإجراء دراسات حول الأطباق التي نالت شهرة واسعة خلال العصر الحجري الحديث.
.قال: “كنت دائمًا أفكر بنوع الأطباق التي كان يقبل عليها الناس في العصر الحجري الحديث،
وأردف: تمكنت من الوصول إلى مصادر، وإجراء دراسات حول الموضوع من خلال الاستعانة بفريق مكون من 20 شخصا، بينهم أكاديميون”.
ثم تابع: “من خلال المساهمة الكبيرة التي قدمها الأكاديميان مصطفى أق تورفان وأميد صورماز، تمكنّا من الوصول إلى 100 مصدر حول أبرز الأطباق التي نالت شهرة كبيرة في العصر الحجري الحديث”.
واستفاد تكرقايا من المعلومات التي قدمها فريق التنقيب الأثري في موقع جاتال هويوك الأثري بولاية قونية، في إثراء الدراسة.
حيث كان سكان الموقع يعدون أطباقهم قبل 9000 عام باستخدام الأواني الفخارية والأدوات المصنوعة من الحجر”، هكذا يضيف.
عمل هام
حول أهمية ما يقوم به تكرقايا، يقول عضو الهيئة التدريسية في قسم فنون الطهي بكلية السياحة بجامعة نجم الدين أربكان البروفيسور أوميد صورماز:
إن هذا العمل هام جدا على صعيد الكشف عن الأطباق الأكثر شهرة في العصر الحجري” الحديث”.
ويرى أن تكرقايا “تمكن من إحياء أساليب الطبخ التي كانت سائدة لدى مجتمع جاتال هويوك في العصر الحجري الحديث، اعتمادًا على المصادر التاريخية، بغرض نقلها إلى عصرنا الحالي”.
ويشدد صورماز على أن هذه الدراسات “مهمة جدًا من حيث الكشف عن الأطباق وثقافة الطهي التي سادت في العصر الحجري الحديث، إضافة إلى جمع تلك الأطباق في مصدر مكتوب واحد، ما ينعكس بصورة إيجابية على السياحة”.
أطباق مثيرة
من داخل مطعم تكرقايا، جلس أحد الزبائن ويدعى مصطفى دانيش، مترقبا طعاما طلبه من القائمة.
وعند حضور وجبته في أطباق من الفخار والأدوات الحجرية بدت الدهشة مرسومة على ملامحه.
كان ينظر إليها وكأن الزمن رجع به إلى العصور الحجرية التي شاهد أفلاما وثائقية عنها.
بينما كان الفضول ينتابه لتذوق الطعام الذي يراه لأول مرة في حياته، يقول دانيش ، إن “الأطباق التي تمكن تكرقايا من إحيائها مثيرة للغاية”.
ومع تذوق الطعام والمضي في تناوله، أكمل حديثه:
“طعمه غير عادي (..) إنه حقا غريب ولذيذ للغاية، طعم العصيدة والأسماك المطهوة على الحجر تمنح المتذوق شعورًا مختلفًا للغاية”.
وبعد الانتهاء من الوجبة، قال:
“في الواقع ازداد فضولي لتذوق أطباق أخرى ترجع للعصر الحجري الحديث..، هذا العمل جلب منظورًا جديدًا لفن الطهي”.
المصدر: وكالة الأناضول